تعيش أمتنا الإسلامية والعربية هذه الأيام مرحلة هي من أصعب مراحلها , بل في عصر هو من أردى عصورها .. ذل لم يشهد له مثيل , وخوف وهلع لم يسجله تاريخ , انهزام ونكسة , وتخاذل وترد في مهاو الردى وسبات الغفلة .. حتى أصبح كل مسلم ومسلمة يتساءل هل وصلت أمتنا إلى مرحلة الغثاء التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها بقوله (( يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تتداعى الأكلة على قصعتها ؟ قيل يا رسول الله , أفمن قلة يا رسول يومئذ ؟ قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل , يجعل الوهن في قلوبكم وينزع الرعب من قلوب أعدائكم لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت )).. الحديث
أيها الحبيب .. إن ما أصابنا من ذلة وصغار وعار وشنار هو ثمن تدفعه الأمة إزاء صمتها وسكوتها .. هاهي أمتنا في كل صقع لها مأساة وفي كل بلد لها معاناة , مستباحة الحمى مهيضة الجناح , يعبث بها العابثون ويفسد فيها المفسدون , تنتهك حرماتها وتسرق مقدراتها , ويستولى على أرضها وتصادر خيراتها وتشتت شعوبها وهي لا تملك حولا ولا طولا ؟؟ فيا ترى ما الذي جرى لها حتى وهنت ووصلت إلى هذا المآل ؟ ما الذي جرى لأمة المليار حتى تغيب هذا الغياب المذهل , الذي أفقدها اتزانها ووجودها ؟؟
إن معرفة الداء هو سبيل لوصف الدواء ..
إن الله عز وجل عاقب ادم عليه السلام وحواء لمعصية عملاها وأرشدهم إلى سبيل الفلاح والنجاح فقال تعالى (( قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ..))الآية
إذن هذا هو السر ! وهذا هو موضع الداء , يوم تعرض الأمة عن كتاب ربها وسنة رسولها وتهجرهما قولا وعملا يستبدل الله قوتها ضعفا , وعزتها ذلا , واجتماعها تفرقا , إن الأمة التي لا تحتكم إلى كتاب الله ولا تحكمه في جميع شؤنها بل تطلب العدل والنصرة من غيره , ستعيش أمة متخلفة , سخيفة القيم , سخيفة المبادئ , سخيفة التعاليم لا مجد لها ولا رفعة ولا علو ولا نصر ولا عز .. فنصر الله عزيز لا يعطى لأمة قد تخلت عن منهجه القويم وشرعه السديد ..
آه.. كم ذاقت الأمة من البلاء وكم أصابها من الشدة بسبب إدبارها وإعراضها عن شرع الله ووحيه المنزل .. كم تقلبت في ألوان وألوان من الذل والهوان .. قلق دائم في جميع أركانها وتخبط وعدم اتزان يسيطر على كثير من أجزائها وصدق المولى حيث يقول (( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم )) الآية
إن السعادة كل السعادة والطمأنينة كل الطمأنينة إنما هي في تعظيم شرع الله واتباعه والاهتداء بهديه والشقاوة والتخبط كل التخبط إنما هو في الإعراض عن شرع الله والاستهانة به وهجره .. ألم يقل سبحانه وتعالى ( الذين امنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) فهم في أمن ودعة يوم يخاف الناس , فهم في أمن وسكون يوم تتنزل الرزايا والنكبات فلا تتحرك منهم أنملة ولا ترتعد لهم فريصة ولا يزل اللسان منهم بساقطة بل تزيدهم تلك الأقدار قوة وصلابة ورسوخا وثباتا على هذا الدين .. علموا وفقهوا أن هذا الدين صعب المراس وأنه لا يؤتى لكل أحد إلا بابتلاء وتمحيص ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) يقدر الله المصيبة والفتنة ليرى ثباتنا ويختبر إيماننا فيظهر الله صدق المؤمنين ونصحهم ويعلم ثباتهم ووضوحهم .. ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) وقال ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ) وقال ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم ونعلم الصابرين ) الآيات ..
قال ابن القيم : يا ضعيف العزم الطريق شاق وطويل ناح فيه نوح , وذبح زكريا , واغتيل فيه يحيى , وذبح فيه عمر , وضرج عثمان بدمائه , وقتل علي , وجلدت ظهور الأئمة وحبسوا ..الخ
إن النقطة التي يصل فيها الظالم إلى أقسى درجات الظلم بل يصل فيها المتكبر إلى أعلى درجات الجبروت والغطرسة هي النقطة التي ينحدر منها بل يتحدر معها جميع ما يملك من قوة وصلفوت وجبروت , أخبرنا الله عز وجل بذلك في محكم تنزيله فقال الله عن قوم عاد الذين بلغوا أقوى قوة في ذلك الزمان على هذا الكوكب حتى " قالوا من أشد منا قوة " فكانت النتيجة ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد . إرم ذات العماد . التي لم يخلق مثلها في البلاد .... إلى قوله.. فصب عليهم ربك سوط عذاب . إن ربك لبا لمرصاد )الآية
هذه هي نتيجة الكبر وهذه هي نتيجة الغطرسة وإن ما تمارسه اليوم أمريكا من عنف وتطرف لا يولد إلا عنفا وتطرفا , تطرفا تعرفه جيدا , تطرفا أقض مضجعها , وأرق سهادها , ومزق كيانها , وزلزل أركانها , وحطم كبرياءها , وفتت أكبدها , وهد اقتصادها .. إن الكبر مهما طال أمده , وامتد زمنه , فإن له يوما نراه حقيرا ذليلا .. خاسئا قابعا في مكانه..
أبشري يا أمة الإسلام فإنما هي الظلمة التي يعقبها الفجر , فمهما احلولك الظلام فالفجر آت لا محالة , أبشري يا أمة الإسلام فإنما هو التمكين والاستخلاف في الأرض الذي يسبقه الابتلاء والتمحيص ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلو ا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله .. ألا إن نصر الله قريب)
لقد بدأ التمكين لأصحاب موسى في هذه الأرض وهم في أشد حالات الضعف , يذبح أبناؤهم وتستحيا نساؤهم وفي المقابل كان فرعون في أعلى حالات الجبروت والطغيان والإفساد قال تعالى: ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين. ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) الآيات ..
أمتي أبعد هذا يرجى نصر أم يطلب عدل من أمة قالت عزير ابن الله وأخرى تقول المسيح ابن الله .. ألم نسمع قول الباري عز وجل وهو ينادينا قائلا ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) الآية
فالزم يديك بحبل الله معتصما.................. فإنه الركن إن خانتك أركان
إلى أمة المليار...!!!