يا ساكن الأعماق
مهداة إلى خير البشر
صالح بن سعيد الهنيدي
من أينَ أبدأ يا حبيبَ فُؤادي *** وقَصيدَتي مَخنوقةُ الإنشادِ ؟!
من أين أبدأ والمشاعرُ أُلهبت *** وتحرَّقتْ بحرارةِ الإيقادِ ؟!
من أين أبدأ والحروفُ تزاحمتْ *** لكنَّها تهفُو إلى إجهادِي ؟!
تعبتْ قواي أطاردُ الحرفَ الذي *** يُزجي خُطاي إلى الرَّسولِ الهادي
يا ساكنَ الأعماقِ من أكبادِنا *** شرُفتْ بأُنسكَ أعمقُ الأكبادِ
ما زلتَ تزرع في ربى أرواحِنا *** شجرَ اليقينِ ونبتةَ الإسعادِ
ما زلتَ تنتزعُ الظَّلامَ فتمَّحي *** آثاره وتزيلُ وجهَ سوادِ
يا ساكنَ الأعماقِ فاضتْ عَبرتي *** أسفًا لفرقة أمةِ الأمجاد
كنًّا سيوفًا في الوغى ونشيدُنا *** " الله أكبر " من فَمِ الآسادِ
ما بالنا ضعفتْ قوانا بعدَما *** كنَّا نزلزل ساحةَ الأوغادِ ؟!
ما بالُ أقصانا يلُوك جراحَه *** ويدُ الفساد تخوضُ في بغدادِ ؟!
ما بالُ أربابِ السخافةِ أيقظوا *** فتنَ العَداء وموجةَ الإفسادِ ؟!
رسموكَ يا رمزَ الجمالِ مشوهًا *** ومدادُهم حبرٌ من الأحقادِ
رسموكَ واجترؤوا بعينِ طباعِهم *** وتناولُوكَ بمنطقِ الحسَّادِ
ما زلتَ تكبُر في العيون مهابةً *** والحاقدونَ تسفُّهم برمادِ
الكونُ أشرقَ مذ سكنتَ مشيمةً *** وهفا الزمانُ لساعةِ الميلادِ
ووُلدتَ أشرفَ مولدٍ فتسامقَ التـ *** ـتاريخ يرسمُ لوحةَ الأمجادِ
وتأهَّب الفجرُ الجديدُ يدكُّ ما *** عبدَ الطغاةُ ببطن ذاكَ الوادي
ناديتَ فانطلقَ النِّداءُ مجلجلا *** وأصاختِ الدنيا لخير منادِ
شكَّلتَ بالإسلام روحَ حذيفة *** وبذرت نورَ الحقِّ في المقدادِ
وسكنتَ بالخُلق العظيمِ قلوبَ من *** وقفوا لدربِ هداك بالمرصادِ
أيضرُّ هامتك البهية حاقدٌ *** يبغي تسلُّق قمةِ الأنجادِ ؟!
أتصُدُّ نورَ الشمسِ كفُّ مخادع *** قصُرتْ فلم تظفَرْ بغير سوادِ ؟!
يا ساكنَ الأعماقِ وجهُ قصيدتي *** خَجِلٌ يحاول أن يصوغَ وُدادي
واعدتُ سيلَ مشاعري بخواطري *** فأبتْ وما وفَّيتُ بالميعادِ
عذرًا إذا عجزَ البيانُ وخانني *** شِعري وذابَ من الجراحِ فؤادي
مهمَا أفضتُ من المشاعرِ فالذي *** بين الجوانحِ زادَ عن إنشادي
حبُّ الرسول أجلُّ من كلماتِنا *** والخَطْبُ أعظمُ من حُروفِ مدَادي