حديث أبي هُرَيْرَةَ قال (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم بارزًا يومًا للناسِ فأَتاه رجلٌ فقال: ما الإيمان قال: الإيمان أن تؤمنَ بالله وملائكتِهِ وبلقائِهِ وبرسلِهِ وتؤمَن بالبعثِ قال: ما الإسلامُ قال: الإسلامُ أن تعبدَ اللهَ ولا تشركَ به وتقيمَ الصلاةَ وتؤدِّيَ الزكاةَ المفروضةَ وتصومَ رمضانَ قال: ما الإحسان قال: أن تعبدَ الله كأنك تراهُ، فإِن لم تكن تراه فإِنه يراك قال: متى الساعةُ قال: ما المسئولُ عنها بأَعْلَم مِنَ السائل، وسأُخبرُكَ عن أشراطِها؛ إِذا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذا تطاولَ رُعاةُ الإبِلِ البَهْمُ في البنيان، في خمسٍ لا يعلمهنَّ إِلاَّ الله ثم تلا النبيُّ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الله عنده علم الساعة ) الآية: ثم أدبر فقال: رُدُّوه فلم يَرَوْا شيئاً فقال: هذا جبريل جاءَ يُعَلِّمُ الناسَ دينَهم) متفق عليه.
الشرح:
في هذا الحديث دليل على أن هذا الدين ثلاث مراتب الإسلام والإيمان والإحسان. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة بعبادة الله وعدم الإشراك به وهو مقتضى الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم فسر الإيمان بالأعمال الباطنة وقد دلت النصوص بمجموعها أنها ستة أصول يلزم العبد الإيمان بها ولا يتم إيمانه إلا بها الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره وقد أجمع أهل السنة على ذلك ، فمن أنكر شيئا منها أو شك فيه فقد كفر ، والإيمان عند أهل السنة والجماعة له ثلاثة أركان لا يصح من العبد إلا بتوفرها جميعا قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح وهو الحق الذي دلت عليه الأدلة الشرعية والآثار السلفية . وفيه أن الإحسان له مقامان مقام المشاهدة وهو أن يستحضر العبد حال عبادته أنه يرى الله ويشاهده ويناجيه ، ومقام المراقبة وهو أن يستحضر العبد حال عبادته أن الله يطلع عليه ويراقبه. وفيه أن وقت حدوث الساعة من الغيب الذي أخفاه الله عن عباده حتى رسوله لكن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقرب وقوعها فلا ينبغي للمؤمن ولا يشرع له أن يتكلف معرفة وقتها ، وكل من ادعى معرفتها فهو كاذب وقد كثرت الدعاوى والتخرصات في الأزمان المتأخرة. وفيه أن الساعة لها علامات وأمارات تدل عليها صغرى وكبرى ، وكثير من العلامات الصغرى وقعت ، أما الكبرى فهي العلامات السبع التي تقع قبيل الساعة بزمن يسير وهي متصلة كالعقد إذا وقعت واحدة تبعتها الأخرى ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بعلامتين من الصغرى الأولى: أن تلد الأمة ربتها والمراد أن يكثر جلب الرقيق حتى تجلب البنت فتعتق ثم تجلب أمها فتشتريها البنت وتستخدمها وهي جاهلة أنها أمها وقد وقع هذا في أول الإسلام وهو كناية عن انتشار الإسلام وكثرة الفتوح ، والثانية: وإذا تطاول رعاة الإبل والمراد أن أسافل الناس يصيرون رؤسائهم وتكثر أموالهم حتى يتباهون في إطالة البنيان وزخرفته وهو كناية عن انقلاب الموازين وفساد نظام الدين والدنيا وقد وقع هذا قبل قرون. وفيه أن أصول الغيب ومفاتيحه خمسة استأثر الله بعلمها ولم يطلع عليها أحدا لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا قال تعالى ( إِنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ ). وقد وردت السنة الصحيحة بتسمية هذه الخمس مفاتيح الغيب ، فلا يعلم أحد متى وقت الساعة ولا متى وقت نزول الغيث ولا ما يخلق في الرحم من ذكر وأنثى وأحمر وأبيض وأسود ولا ماذا يكسب الإنسان في مستقبله من خير وشر وغنى وفقر ولا أين يموت الإنسان وأين مضجعه من الأرض ، فمن ادعى أنه يعلم شيئا من ذلك أو أن رسولا أو وليا يعلم ذلك فهو كاذب ومكذب للقرآن منازع لله في شيء من خصائصه. وفيه أن الله جعل للملك جبريل عليه السلام قدرة على التمثل بالإنسان وهذا يدل على عظم خلق الملائكة وعجيب صفاتهم وكذلك الجن لهم قدرة على التمثل أما الإنسان فلا يتمثل بصورة غير التي خلق عليه