ذكر لي أحد الشباب أنه أوصى أحداً من أصدقائه بمتابعة موضوع معين , وهذا الموضوع يحتاج إلى وقت وجهد , فضلاً عن كونه من الموضوعات الحسّاسة - تبيّن لي فيما بعد - الحاصل : أن صاحبنا هذا بدأ يكرر الاتصال على صاحبه ويلحّ عليه إلحاحاً عجيباً , وصاحبه قد وقع في حرج كبير , ولم يتيسّر له قضاء حاجته , وهو متطوّع في ذلك ومن باب نفع أخيه ليس إلا .. فبدأ يعتذر ويتلطف في الاعتذار , لكن صاحبنا هذا يلحّ ويستمر في إلحاحه ولايلتمس له أيّ عذر , ويقول : حاول وجرّب لماذا لم تهتمّ بموضوعي ؟ أين الصحبة والصداقة والوفاء ؟ وبدأ في مسلسل اتّهام النيّات , أخيراً بدأ صاحبه لايردّ على هاتفه المحمول , فسلك صاحبنا طريقاً بل طرقاً أخرى , وكلّف من يتصل عليه من هاتف آخر , يقول صاحبنا هذا : فاكتشفت في النهاية أنه يردّ على أرقام تتصل عليه , أمّا رقمي فلا يردّ عليه , فقررت ترك صحبته إلى الأبد , ولن أقضي له مصلحة مهما كانت ... بادرته قائلاً : ما هذا الاكتشاف العظيم ؟ أما يجدر بك أن تلتمس للناس – فضلاً عن صاحبك – الأعذار ؟ يقول حمدون القصّار – رحمه الله – ( إذا زلّ أحد من إخوانك فاطلب له تسعين عذراً ) ياهذا : وبكل سهوله تفرّط في صحبة قديمة بسبب مصلحة خاصة بك لم يتيسر قضاؤها !! من أحب على شئ فارق عليه .. يا أخي : لاتحرج الآخرين , إذا لم يردّوا عليك ففتّش في نفسك , قد يكون طلبك عسيراً عليهم لاسيما وأنهم متطوّعون في قضاء حاجتك , وقد تكون أنت لاحاجتك ثقيلاً عليهم جاثماً على صدورهم من حيث لاتشعر بسبب تصرفاتك معهم ( كفّ عن مسلسل اتّهام النيّات ) فتّش في نفسك هل صحبتك قائمة على تبادل المصالح والمنافع أم هي لله تعالى بغض النظر عن أيّ مصلحة دنيوية تربّها ؟ إخواني : رجاءً لايوقع بعضنا بعضاً في حرج تنقطع بسببه أواصر الأخوّة والمحبة ! إخواني : لاينبغي أن نغضب على إخواننا إن قصّروا في قضاء حوائجنا فهم متطوّعون !! نعم إن أخذوا مقابلاً لذلك حاسبناهم لكن لانقاطعهم فهم إخواننا وأقرباؤنا !! إخواني : بلغت الحال ببعضنا أنه إذا اتصل به أحد من هذا النوع , ثقل عليه ذلك وكأنّ جبلاً عظيما وقع على رأسه , لكنّ الردّ على الهاتف ما منه بدّ , فلذا يشعر المتصل بالبشاشة , وإن كان القلب يرفض ذلك .. إخواني : كونوا أحراراً , أحسّوا بالأمان مع أصحابكم وذويكم , أذكر صاحباً لي منذ عشرين عاماً ولازال , رفعنا الحرج عن بعضنا البعض في موضوعات كثيرة ومنها الردّ على الهاتف إن لم يردّ عليّ التمست له الأعذار وهو كذلك , قد يكون في اجتماع أو في ظرف خاص لايستطيع الرد الآن .. وهكذا حتى عشنا سعيدين في صحبتنا مع بعضنا , ليس في موضوع الردّ على الهاتف فحسب بل في كل شئ حتى الدعوة إلى وليمة , لقد نسيت دعوته يوماً لوليمة عقيقة فقابلني من الغد , وقد علم أني نسيته , لكن طيب معدنه جعلني أشعر بالأمان والطمأنينة , لكن صاحباً آخر لونسيته لضاقت عليّ الدنيا بما رحبت كيف أعتذر له ؟ وهل يرضى ويقبل ؟ لماذا كل هذا ؟